اخبار عاجلة

البطل المهدور و الرجيم في رواية ( محاولة عيش) للكاتب المغربي محمد زفزاف

بأرت رواية ( محاولة عيش) سردها على إشكالية البطل المهدور و هو هدر إنسانية الإنسان ، و عدم الاعتراف المسبق بكيانه و كينونته كشرط مؤسس و ملزم للاحتفاء بقيمته مكانة و حصانة و قدراتا و وعيا .
و لكل بطل من ابطال هذه الرواية الصغيرة الحجم ( 95 ص) نصيبه من الهدر الذي يتنوع في الشكل و المقدار مما يعطل و يعيق مشروع بناء حياة و صناعة مستقبل لهم .
يتمثل الهدف العام من سردية ( محاولة عيش) الوعي الكامل بحالات الهدر الظاهرة منها و الخفية و كشف الياتها كخطوة لازمة لفهم واقع البطل حميد بائع الجرائد المتجول و أسرته المعدمة التي تقطن باحد (البرارك) اي في احد احياء الصفيح بمدينة الدار البيضاء و هو سكن غير لائق و لا يليق حتى بالحشرات . بلغة فضائحية تنصح مرارة و تضع مبضعها على الجرح يكتب محمد زفزاف أبطاله و هم في غالبيتهم ينتمون إلى الهامش و عوالم المجتمع السفلية . غيرهم يقدم صاحب ( بيضة الديك) لوحة قاتمة شديدة الحلكة عن سكان احياء القصدير هؤلاء الموتى الاحياء و هم يصارعون شظف العيش ، يلهثون و راء الرغيف و هي صورة معبرة عن كائنات لا صوت لها هؤلاء الذين يفتقرون لابسط شروط الحياة. هناك اذن مأزق بنيوي حقيقي في عالم الهدر الذي يعاد إنتاجه باستمرار يعيشه بؤساء هذه الرواية التي تتحدث عن محاولة عيش اي مجرد محاولة من اجل البقاء لهذه الشخصيات الهلامية التي يغوص الكاتب في زواياها المعتمة . مظهرا سيكولوجية الانسان المقهور و استقصاء حالات استلابه على مستوى المسار و المصير ملتقطا اسباب الظاهرة على مستوى الدلالات الوجودية و الاجتماعية التي يتداخل الخاص فيها بالعام هدر تتزايد وطأته على حميد و أسرته و اصدقائه ثم المومس التي ارتبط بها بائع الجرائد و أحبها و تعاطف معها و التي بدورها تعلقت به و ساعدته على اتمام زيجته الفاشلة مع فيطونة العرجاء ابنة الجيران زوجته المفترضة التي انها دخلته بها بفضيحة . جولانه الليلي في الخانات لكسب عيشه من بيع الجرائد للسكارى من مغاربة و اجانب دائما ينتهي بشجارات تم مطاردة الشرطة له و لشلته هو جحيم يومي كان يعيشها حميد بمعية رفاقه و هم يسعون لكسب رزق صعب المنال قدر له ان يكون في فم افعى . عانقت هذه الرواية قضايا مسكوت عنها في الواقع المغربي حيث تعشش البطالة و القهر و الهدر و الفقر و الدعارة . ثم التوترات الاجتماعية المتزايدة في مجتمع لا يزال خارج التنمية الاجتماعية كما أشار إليها الكاتب. النص يكشف و يعري مجتمعا راصدا خصائصه و دينامياته نكباته و نكساته . و قد جعل من هذا العمل الابداعي سردية من سرديات العلة اي يلاحق علل الناس و اشكال هدرهم بعد ان كان الادب الروائي المغربي لا يزال في المقاعد الخلفية من حيث التعاطي لهذه المشكلات . بلغة بسيطة بعيدة عن الانشاء و البلاغة تناول محمد زفزاف قضية هؤلاء الذين يقبعون تحت في القاع اولئك الذين لا يسمع عويلهم و صراخهم .بدءا بحميد الفني الذي يبلغ 16عاما و هو صوت من صوت اصوات ضحايا سياسات الهدر ثم المومس غنو ، الاب حسن و الام و الاخوة ، الضاوي و فيطونة و اسرتها ثم صوت الجلاد المقدم ، الخليفة ، القائد ، الشرطة ، الجنود الامريكيون و حراس الميناء . ثم صوت الجشع الرأسمالي و الاستغلال المتمثل في اليهودية الثرية صاحبة الحانة و اعوانها . وسط هذه الدوامة عاش حميد كبطل مهدور يحمل بداخله جرثومة ضياعه . التي طالت جل مجتمع الرواية حيث كان يمارس عليه كل شئ من اجل سد الرمق في محاولة عيش باتت نهايتها وشيكة متحولا الى كيان مباح و مستباح . جاهد الروائي و القصاص محمد زفزاف في محاولة عيش الدفاع عن ابطال الهامش سعيا منه في بناء اقتدار المعدومين و المستضعفين وصولا الى كشف أثار الهدر السلبية و المعطلة . و يعود حميد اخيرا بعد اكتشافه فقدان عروسه لعذريتها بعد الدخلة الى احضان بائعة الهوى غنو هذه الإنسانة المهدورة الطافحة نبلا و نقاءا روحيا و فيما جميلة ليتخذ منها موئله و وطنه و ليدفن في صدرها لواعجه و جراحاته.

بقلم الناقد الأدبي و السينمائي ناصر الحرشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق