اخبار عاجلة
ناصر الحرشي …فيلم ( Captain Corelli’s Mandolin)وينتصر الحب على دوي المدافع وبنادق الفاشست.
![](https://www.alhayatalane.press.ma/wp-content/uploads/2022/09/téléchargement-1-1.jpeg)
اول ما يلفت النظر في فيلم ( Captain Corelli’s Mandolin) هو ربطه لمسألة الحب بقضية الحرب ، حيث تتجاور العاطفة والاحاسيس النبيلة مع دوي المدافع ، دموع العشق مع صرخات الجنود ، العلاقات الانسانية الحميمية مع اشتعال الجبهات وهدير الطائرات وزمجرة القدائف والقنابل . فالخلفية التاريخية المؤطرة لهذا الغدير النصي الجمالي هو زمن الحرب العالمية الثانية . رسالة الفيلم واضحة مند البداية ، الحب سينتصر على الرغم من فاشية الدبابة وبنادق العساكر وجشع ومكر الساسة .وبناءا على ذلك فان فلسفة الحب ومعجمياته تمتطي صهوة التحدي وتنجح في تجسير العلاقات بين طرفين نقيضين ومتقابلين . حب يجترح المعجزات ويهزم تسلط الفاشست وقهرهم للشعوب .هذا الحب جاء ليصحح وعيا مقلوبا يصنف الحضارات تصنيفا استعماريا . لا شك ان هذا الفيلم ذو الخاصية التاريخية يتوغل عبربنية محكمة العمارة والبناء في فترة زمنية من تاريخ الحرب العالمية الثانية مجيبا عن اسئلة وثيقة الصلة بها انه يؤرخ لحملة موسوليني دبكتاتور ايطاليا الاولى على اليونان والتي باءت بالفشل بعد ما طردت المقاومة اليونانية جحافل جيوشه واجبرتهم على الانسحاب مما اشعر الدوتشي بالخزي وجرح كبرياءه وغروره واقسم ان يعاود الكرة حتى يضم بلاد سقراط والفلاسفة الى قائمة مستعمراته . وعاد يجر اذيال الخيبة امام شراسة وصمود اليونانيين الى ان تلقى دعما عسكريا من حليفه هتلر . وتمكنت فرقة الكوموندان ( باردج ) الالمانية وبغطاء جوي ايطالي من احتلال اليونان واجتياح العاصمة اتينا . تم توقيع وثيقة الاستسلام من طرف رئيس بلدية اتينا مع الالمان وليس مع الايطاليين صارخا في وجه احد جينرالات ايطاليا (لقد هزمناكم مرارا لكن هذه المرة هزمنا الالمان ) وكانت الادارة لهذا البلد المحتل مشتر كة بين الايطاليين والالمان . وهكذا يرخي البعد التاريخي سدوله على العالم الجواني للفيلم فتختلط لغة اليومي المباشر بالزمن الحربي مقتحمة نصه متحكمة في صياغته . ان النظر الى هذا المولود السينمائي التاريخي يحدد ملامح الحضور المكثف لدول المحور وسياساتها التوسعية .في مستهل هذا المختبر الفني تظهر كثيبة عسكرية ايطالية يقودها بطل هذا الفيلم وهو ضابط ايطالي في سلاح المدفعية، غريب الاطوار يدعى ( انطونيو كوريلي وقد ادى الدور الممثل الامريكي نيكولاس كيدج ) وهي في استعراض عسكري بالعاصمة اتينا وهي تجوب شوارعها احتفالا بالنصر ، يضع قيثارة خلف ظهره مما ادهش جموع اليونانيين وهم يتابعون هذا المشهد المثير وكذلك ذهول البطلة ( بلاغيا ادت الدور الممثلة الاسبانية الامريكية بينلوب كروز ) بعد ان لمحها هذا القبطان واسره جمالها ولم يتمالك نفسه وهو يصيح باللغة الايطالية ( طفلة جميلة ) وهي طبيبة ابنة طبيب .ضابط ايطالي جميل الطوية شديد الوسامة رمانسي حتى النخاع خريج احدى دور الاوبرا في روما عاشق للموسيقى والفن وعازف وراقص .شكلت الموسيقى عالمه ومرفأه الوحيد بل ومتنفسه التعبيري وسط الخنادق هو ورفاق كثيبته .يقع في حب ( بلاغيا ) الطبيبة اليونانية وهي خطيبة قائد المقاومة اليونانية قبل ان يفترقا وتتحقق نبوءة ابيها بان حبها الحقيقي وزوجها المستقبلي ليس يونانيا بل سيكون رجلا اجنبيا .ووسط هذه العائلة اليونانية ستنمو براعم علاقة حب جارفة بينه وبين هذه الشابة اليونانية ورويدا رويدا سينصهر هذا الضابط في مجتمعها رغم عدم تقبلها له في بادئ الامر معتبرة اياه جندي من جنود الاحتلال ثم تحوله الى نصير وصديق للمقاومة اليونانية يقدم لهم العون والسلاح ضد بلده الغاصب . وهو ليس بفاشي يعتنق افكار ( غاريبالدي ) مرهف الحس همه الوحيد هو ان يدك قلاع الفاشية ويبني وطنا حفيا قوامه الحب والفن والمساواة . يهيم حبا بالهيفاء بلاغيا ويخفي افراد المقاومة اليونانية بعيدا عن اعين جواسيس موسوليني وجنود هتلر . ان هذا الفيلم الباذخ الحافل بالدلالات التاريخية يكشف عورة الفاشية للعالم . وتتدحرج الاحداث وتصدر الاوامر الى الجيش الايطالي بالاستلاء الكلي على اليونان وطرد الايطاليين واعدام كثيبة كوريلي الذي سينجو رغم اصابته بجروح بليغة بتدخل جراحي من الطبيب اب البطلة ومساعدته على الهرب . سيعود بعد سنوات ويلتقي مجددا بحبه الابدي وعاهة على قدمه وينتهي الفيلم وكوريلي يعانق بلاغيا وينتصر الحب وتحلق طيوره عاليا وينتهي كابوس الاحتلال وتسقط فاشية موسوليني ولعنات التاريخ تلاحقه .
بقلم الناقد والادبي والسينمائي ناصر الخرشي .