اخبار عاجلة

رواية «حالات حادة»: البوح كتسريد للذات المستلبة.

تتأسس رواية «حالات حادة» للكاتب المغربي بوشعيب الساوري على سؤال مركزي مضمر وضمني، يتلخص هذا السؤال في: لماذا لم أكن أنا هو أنا؟ أو لما لا أكون أنا هو أنا؟ وقد صيغ هذا السؤال في جملة سردية على لسان الساردة المركزية في النص «كانت لي رغبة في أن لا أكون أنا هي أنا» من هنا ينبعث سؤال الهوية الحارق من أنا؟ عندما يعني غياب أصل أو محتد أو جذر نتجذر به في الوجود. معرفة هذا الأصل والوعي تمنح الذات المستلبة تماسكا وتعطيها معنى في شبكة العلاقات الاجتماعية والإنسانية التي تؤسس هويتها، استنادا إلى أصل مقدس أو مدنس، أصل ديني، أو دنيوي.
للأنا أو الذات الساردة امتدادان: امتداد في الماضي وامتداد في المستقبل، ولا بد من تحديد أين يبدأ الامتداد الأول لنعرف أين يتجه الثاني في المستقبل. تعيش الأنا الساردة في الرواية نوعا من التيه الوجودي، بعد أن أدركت بالصدفة أن اسمها العائلي (السعدي) مخالف لاسم أخيها واختها (النبلي) فأدركت أنها متبناة. وهذا السؤال الحارق والمقلق، خلق توترا واضطرابا عندما يضيع الأصل وتتصلب الذاكرة وينفلت المعنى أو يذوي في أجوبة هشة وضبابية أمام جبروت سؤال الأصل من أنا؟ ومن أكون؟ الرواية من خلال الإخراج السردي من خلال العوالم التي شيدتها لغتها التخييلية، هي استجابة لقوة الرغبة، أو الدافع في أن تتخلص الأنا المستلبة من حرقة السؤال عن الأصل الذي يصلها بتاريخها وبدايتها في حالة مضاعفة لوعة الغياب وشساعة الفراغ، بحث مضن لدى الساردة عن جواب كاف اقترن عندها بوضعية هلوسة وجودية، أي وعي لم يكتمل بذاتها وتلك كانت محنتها.
العنوان: العنوان ثريا تضيء عتمات النص، وتنير متاهاته للقارئ فتضعه على عتبة احتمالات ممكنة لهذا المشتل السردي، وهو يفتح آفاقا دلالية، بدون ترجيح دلالات بعينها.
حالات: جمع حالة وهي وضعية، أو صيغة، أو هيئة، أو ما يختص به الشيء من أغراض وأحوال ومظاهر، وحال أو الحالة كمادة لغوية تحفل بمعان مثل: الاعوجاج بعد استواء، وتمام والتغيير والسقوط والقلب، وهي في العموم ما يختص به شخص، أو وضع، أو حيوان من أموره المتغيرة حسيا ومعنويا، ظاهريا وباطنيا.

اللواتي لم يكن في وسعهن أن يحكين عن معانتهن أثناء حضورها، بل المتاح هو الهروب بأجسادهن والنأي بعيدا عن موطن العذاب. غير أن حريتهن لم تكتمل، حيث لا يكفي أن نهرب كي نتحرر فقد نحمل معنا قيودا ليست من حديد وتلك كانت مأساة الهاربات.
استندت الرواية في تمثلها السردي إلى طقس عريق في تاريخ المجتمعات الإنسانية، إنه الموت أو بعض طقوسه مثل، النعي والعزاء والمآتم والرثاء والمناحة وذكر مناقب الهالك.

وكان في بوح هؤلاء النسوة الخادمات مزيج من العواطف والمشاعر، التي تشي بعنف المأساة التي كانت الراحلة حادة مصدرا لها. من خلال لعبة التمثيل والإخراج السردي في رواية حالات حادة، التي استندت إلى متخيل الموت وتقنية التقرير الصحافي التي أنجزتها بعض الصحف الورقية، والمواقع الإلكترونية حول ظاهرة الخادمات، وما يتعرضن له من سوء المعاملة والامتهان، وتقنية البوح، الذي يعد حالة من استرجاع قامت بها الذوات الساردة طوعا وكشفا عن مرحلة تاريخية من حياتهن أجمعن فيه على أن الهشاشة الاجتماعية وحدة الفقر والهذر المدرسي المبكر، أو ضعف المستوى التعليمي، بالإضافة إلى غياب الرعاية الاجتماعية، ثم بطالة الأب أو عطالته عن العمل، إلى جانب الغياب للحس بالمسؤولية لدى الآباء والأمهات، من الأسباب التي أفرزت هذه المحنة. واعترافات هؤلاء النسوة هو زورق عبور نحو تحررهن الرمزي، وكذا المصالحة مع ذواتهن المستلبة

بقلم الناقد الادبي والسينمائي ناصر الحرشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق