اخبار عاجلةتقارير
المغرب وإفريقيا:رهانات وتحديات
في السنوات القليلة الماضية تغيرت رؤية العالم حول القارة السمراء، وبدأ الوضع العام يستقر ويتحرك نحو منعطف الفرص والوضع الأحسن. و ظهرت عبارات مغايرة تماما لما كانت توصف به القارة السمراء في القرون الماضية، حيث أصبحت توصف بـ”القارة الواعدة”، و”” قارة المستقبل” و” قارة القرن الحادي والعشرين”، و” قارة الأمل” حسب تعبير أنطونيو غوتيريش.
وهكذا تتسابق اليوم معظم دول العالم نحو إفريقيا في تنافس محموم، في مقدمتها الصين وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا واليابان والهند، إضافة إلى روسيا وتركيا وماليزيا وإندونيسيا وإيران وكوريا الجنوبية وإسرئيل والبرازيل، جميعها تسعى للنفاذ إلى ثروات القارة، وخاصة مصادر الطاقة فيها.
ثمة أسئلة تطرح نفسها أبرزها: ما هي التداعيات التي أدت إلى تحول نظرة العالم إلى أفريقيا، وهل هي حقا قارة المستقبل؟ وما الذي يدفع الدول إلى الاستثمار في إفريقيا ؟ وماهي آفاق التوجهات الإفريقية “الجديدة” للمغرب؟ وما هي الرهانات والأرباح التي سيجنيها المغرب من استثماراته في أفريقيا ؟ وما هي التحديات التي من الممكن أن تواجه المغرب لتحقيق الأهداف المنشودة ؟
1. إفريقيا قارة المستقبل:
من المعروف أن ثروات إفريقيا الزاخرة كانت من أسباب الهجمة الاستعمارية الغربية عليها في القرنين التاسع عشر والعشرين، كما كانت من أسباب الحروب الأهلية، فاستغلال ثرواتها الطبيعية لم يكن هدفا للجماعات المتصارعة في الداخل، بسبب أن كل قبيلة تنظر إلى الموارد العامة كصندوق خاص بها، بل كان أيضا هدفا للقوى الخارجية التي تدخلت في النزاعات الأهلية مدفوعة بمصالحها. وهكذا كانت ثروات إفريقية نقمة عليها ودفع الأفارقة الثمن غاليا.
وفي الوقت الحاضر لا يقتصر رهان الدول المستثمرة في إفريقيا لكونها منجما ضخما للموارد الأولية الطبيعية فقط، بل يتعداه ليطاول سوقا داخليا استهلاكيا ضخما يقدر بأكثر من مليار نسمة، وسيصل حسب التقديرات إلى أكثر من مليارين في أفق عام 2050، وذلك بحكم تسارع ظاهرة التمدن، وتكوُّن طبقات اجتماعية متوسطة مهمة.
ولجلب المزيد من الاستثمارات سارعت بعض الدول الأفريقية بتهيئة مناخ الاستثمار، وقامت العديد من الحكومات الإفريقية بمراجعة سياساتها الاقتصادية، ونظمها الاستثمارية، وسنت العديد من التشريعات والقوانين التي تشجع الاستثمار وتدعمه، واستحدثت الهيئات والمؤسسات التي تخطط له وتنظمه. ووضعت امتيازات كثيرة، منها: تيسير شروط الاستثمار وتخفيف القيود على تدفقاته، واعتماد آليات الحكامة والشفافية في توفير المعلومات الضرورية للمستثمر، وتبسيط الإجراءات الإدارية، إضافة إلى التخفيف أو الإعفاء من بعض الضرائب.
وعموما، فإن إفريقيا أخذت تهيئ بيئتها الاستثمارية من خلال تحسن مناخ الاعمال لاحتواء سيل التدفقات القادمة نحوها بقوة من مختلف بقاع العالم.
2. آفاق التوجهات الإفريقية للمغرب:
توجه المغرب نحو إفريقيا تمليه أسباب اقتصادية بالأساس، بالضرورة تشترك مع السياسي في ما يخص عودة المغرب لبيته الإفريقي، والعمل على بناء حضور متميز تمليه المصالح المشتركة. لأن المغرب أدرك احتياجات إفريقيا. ومن يدرك احتياجات إفريقيا ويلبيها سيكون صديقا مقربا للقارة بلا محالة.
في هذا الإطار تأتي الزيارات الملكية المكثفة للقارة الإفريقية، الساعية إلى القطع مع ممارسات البلدان الاستعمارية، لتضع أسسا جديدة لتنمية متبادلة متكافئة بين بلدان الجنوب، وتقديم بدائل استراتيجية من منطلق رابح-رابح ، تأخذ أشكال مشاريع اقتصادية عملية، لكن بنكهة إنسانية واجتماعية وثقافية متميزة. وهذا التصور، عبر عنه الملك محمد السادس في رسالة للمنتدى الاقتصادي المغربي/الإيفواري المنعقد بأبيدجان في 24 فبراير سنة 2014، إذ قال إن “إفريقيا قارة كبيرة، بقواها الحية ومواردها ومؤهلاتها، يجب أن تأخذ مصيرها بيدها، لأنها لم تعد مستعمرة، لذلك فإن إفريقيا يجب أن تضع الثقة في إفريقيا “..
ويكمن سر التجاوب الإفريقي مع الدينامية الجديدة التي أطلقها المغرب، في المبادئ البراغماتية والواقعية التي بنى عليها المغرب استراتيجيته لولوج الفضاء الاقتصادي لإفريقيا، والمتمثلة في المصلحة المشتركة التي يخدمها التعاون جنوب-جنوب، ما جعل مبادئ “رابح رابح” و”خيرات افريقيا من أجل إفريقيا” و”التنمية المتكاملة” و”المصير المشترك” تشكل عناوين رئيسية لمعظم الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعها المغرب مع شركائه الأفارقة.
فالحاجة إذن متبادلة بين الطرفين، المغرب في حاجة إلى إفريقيا، وإفريقيا في حاجة إلى المغرب. وإذا كانت الدول الإفريقية بحاجة للتنمية، فإن الدولة المغربية في حاجة لأسواق جديدة للمنتجات المغربية، خاصة في ظل الأولويات الإفريقية وكذا العربية من تحقيق الأمن الغذائي، وتدعيم الصناعة. فالقارة السمراء لها القدرة على تحقيق الأمن الغذائي وسد الفجوة الغذائية العالمية من خلال الاستثمارات التكاملية بين المغرب والدول الإفريقية في قطاعات الإنتاج الزراعي.
وهكذا ففي إثيوبيا عل سبيل المثال لا الحصر دخل المغرب في شراكة استراتيجية اقتصادية مع هذا البلد، فإثيوبيا بلد فلاحي ذو ثروات هائلة. انتقل من محاولة توفير المياه والكهرباء لمشاريعه عبر بناء السدود لاسيما سد النهضة ،أضخم سدود القارة، إلى إقامة مجمع ضخم لإنتاج الأسمدة الزراعية بإثيوبيا باستثمارات تقدر ب2 مليار دولار، وباستثمار ما قيمته 3.7 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة. بهذا المشروع سيحقق المغرب عدة منافع، أبرزها: أولا، تمكين مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ومعها مجموعة من الشركات المغربية من التَّمَوقع افريقيا. ثانيا، سيحول المغرب إلى شريك أساسي لدعم أفريقيا في التنمية الزراعية عبر توفير الأسمدة الأقل تكلفة وأكثر قدرة على التكيف مع المحاصيل والتربة الأفريقية. ثالثا، سيقوي صادرات المغرب وسينعش المبادلات التجارية وسيدفع بعجلة التنمية الاقتصادية وبتطور مؤشر النمو وبنسب مهمة.
وعلى نفس المنوال، سار المغرب على بناء استراتيجية مع نيجيريا تتمثل في أنبوب الغاز. فمشروع إنجاز خط أنابيب للغاز الذي سيربط موارد الغاز الطبيعي لأكبر بلد افريقي وهو نيجيريا بالمغرب، مرورا بدول غرب إفريقيا، هذا الأمر سيكون له عدة تداعيات إيجابية على المدى المتوسط والبعيد، أولها، منح المغرب مكانة استراتيجية دولية بتحوله إلى وسيط تجاري أساسي بين الجنوب والشمال، ومفاوض رئيسي في المنطقة. ثانيا، استفادة المغرب بشكل مباشر من الاستثمارات الضخمة التي ستواكب هذا المشروع. ثالثا، سيتحول المغرب إلى مركز طاقي يربط دول غرب افريقيا بسوق الطاقة الأوروبي. رابعا، هذا المشروع سيَفُك ارتباط المغرب الطاقي وسيخفض الفاتورة الطاقية، وبالتالي سيساعد الدولة على تقليص الدين الخارجي.
وبهذه الشراكة/النموذج يراهن على تكريس تعاون ثلاثي “جديد”، يندرج ضمن العلاقات شمال/جنوب وجنوب/جنوب، يستفيد منها المغرب دون شك، ويفيد منها أيضا دول الجنوب، وذلك على شكل نقل الاستثمارات والخبرات التي اكتسبها المغرب في بناء وتدبير المشاريع وتسيير المرافق والموارد اللوجيستية والبشرية.
وإذا ما واصل المغرب سياسة تعزيز استثمارات مقاولاته في القطاعات الحيوية، من قبيل البنية التحتية والمشاريع السكنية والصناعات والمنشآت الكبرى، فإن ذلك يعني، بالإضافة إلى خلق فرص العمل، أن الشركات المغربية ستتوفر على صيت عالمي بعد سنين قليلة قادمة، وهو ما يعني تعزيز القوة الاقتصادية للمغرب والخبرة المغربية على الصعيدين الإفريقي والعربي وحتى العالمي.
والجدير بالإشارة، إلى أن هذه الدينامية التجارية الجديدة للمغرب في إفريقيا لا تزال في بدايتها، وتنتظر المبادلات التجارية المغربية الإفريقية آفاقا واعدة مع دخول الاتفاقيات التي أبرمها المغرب خلال الجولات الملكية الأخيرة مع الدول الإفريقية، حيز التنفيذ، علما بأن جل هذه الاتفاقيات يتعلق بمجالات تسهيل التجارة وحماية الاستثمارات والتنسيق الجبائي، إضافة إلى النتائج المرتقبة لمفاوضات التبادل الحر الجارية مع العديد من الدول الإفريقية، خصوصا مع التكتلات الكبرى كالمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ومجموعة دول شرق إفريقيا.
3. التحديات التي تواجه تحقيق “الفتح” المنشود.
التوجهات الإفريقية تبقى مع ذلك رهينة مجموعة من العوامل، قد تحد من مداها، وقد تحول دون المضي فيها إلى الأمام بسهولة.ولعل أبرز التحديات تتمثل في العوامل التالية:
العامل الأول: يتمثل في الأوبئة الفتاكة والحروب والنزاعات المسلحة مثل ما حدث في جنوب السودان وأفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وإثيوبيا. كما أن ظهور أجيال من الجماعات ذوي النظرة الأحادية شكل معوقا آخر يهدد مستقبل إفريقيا. فالصراعات ذات الشكل الديني تهدد بتحويل أفريقيا إلى ساحة حرب بين الأصوليات المسيحية والإسلامية ويرى الأمريكي مايكل كلير في كتابه (الحروب على الموارد: الجغرافيا الجديدة للنزاعات العالمية) أن “إفريقيا ستكون هي الهدف، وستكون مسرحا للحروب القادمة بين القوى المتصارعة” .
العامل الثاني: يتمثل في المنافسة القوية التي يواجهها المغرب من طرف دول الدول المتقدمة والصاعدة على السواء، إذ من المتوقع أن تستقبل القارة الإفريقية استثمارات صينية ضخمة خلال السنوات العشر القادمة.
العامل الثالث: يتمثل في مخاطر العولمة على تفكيك دول إفريقيا. فمفهوم “العولمة” جاء ليضيف تحديات جديدة على الواقع الإفريقى، حيث أسهمت أدواتها والسياسات التى روجتها إلى زيادة حدة أزمة الهويات وأعلت الولاءات التحتية على الولاءات الفوقية.
العامل الرابع: يتمثل في عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، بعد مصادقة البرلمان المغربي على القانون التأسيسي للاتحاد الافريقي سيواجه المغرب خصومه من داخل أروقة مؤسسات الاتحاد الافريقي وهياكله.
وأيا كان الأمر فإن النجاح في تأسيس شراكة استراتيجية جديدة بين المغرب والأفارقة يبقى رهينا بمدى نجاح المغرب في تجاوز الخلافات حول مواقف بعض الدول من قضية الصحراء، وربط علاقات دبلوماسية متينة معها والانفتاح أكثر على الدول المعنية، لاسيما الأنجلوفونية، وتدشين حوار استراتيجي يناقش كل القضايا لبناء مستقبل إفريقي مشترك.
وعليه، فإنه لا سبيل أمام إفريقيا لمواجهة الصراعات الإثنية والدينية والهيمنة من جانب قوى العولمة سوى الاعتماد الجماعي على الذات، ودعم مؤسسات الاتحاد الإفريقي بما يحقق في نهاية المطاف شروط النهضة الإفريقية، عندئذ يتحول الوهن الإفريقي إلى قوة فاعلة في النظام الدولي.
وصفوة القول إن الخيار الإفريقي للمغرب أمر لا محيد عنه، ذلك أن المستقبل السياسي والاقتصادي والثقافي والأمني للمغرب، يظل رهينا ومرتبطا بشكل وثيق بالقارة الإفريقية، التي تمثل العمق الاستراتيجي الطبيعي للمغرب.
عبدالجليل أبوالمجد