اخبار عاجلة
المغرب: ثراء فاحش يقابله فقر مدقع
عبد الجليل أبوالمجد
المقولة التقليدية التي تقضي بأن زيادة عدد الأغنياء يدفع نحو تزايد أكبر في نسب وعدد الفقراء لا تزال سارية المفعول في العديد مدن المغرب منها مراكش.
قبل الخوض في الموضوع نشير إلى أن أصل كلمة مراكش أمازيغي (أمور ن اكوش ) وتلفظ أموراكش، ومعناها نصيب الله، أي أرض الأوقاف التي بنى فوقها يوسف بن تاشفين عاصمته. اشتهرت هذه المدينة بألقاب كثيرة منها: المدينة الحمراء، وعاصمة النخيل، ومدينة البهجة والنشاط، ومدينة سبعة رجال Sept Marabouts.
وتعتبر مدينة مراكش من أعرق المدن المغربية وأشهرها، وتتميز عن غيرها من مدن المغرب بطابعها السحري والمدهش والفكاهة وبالابتسامة التي تكاد لا تفارق وجه أهلها. لكن في السنوات الأخيرة تغيرت الأمور وبدأ الوضع يتلاشى ويتدهور، إذ أول ما يصطدم به حاليا الزائر للمدينة الحمراء هو عمق الفجوة بين الغنى الفاحش والفقر الذي لا يرحم. ففي الوقت الذي يتمتع فيه الأثرياء بحياة من البذخ والترف، لا يزال البؤس يجثم على صدور أعداد كتبرة من ساكنة المدينة.
صحيح أن أغلب سكان المغرب عامة ومراكش خاصة كانوا فقراء سواء قبل الاستقلال أو بعده، لكنهم لم يكونوا بؤساء. والفوارق الاجتماعية كانت محدودة لأن الغني كان في الغالب غنيا بجهده وعمله، سواء كان تاجرا أو فلاحا أو صاحب حرفة، والفقير كانت له فرص تحسين وضعه إذا ما كد واجتهد بالعمل والعلم، وكان التضامن سائدا، فساد الشعور بالرضا والاحترام، وامتنع الناس عن الكراهية والشك في ثروات الآخرين. أما اليوم أصبحت الرشوة شطارة، والاحتكار تجارة، والانتهازية جدارة، والاستيلاء على المال العام استحقاق، فترسخ لدى الناس فقدان الثقة وعدم الرضا والشك في الثروات المتراكمة لدى الأثرياء الجدد.
اليوم يكفي أن يمشي المرء في أزقة وشوارع مراكش مثلا ليرى هذا الأمر جليا، فأينما مررت تجد عشرات المتسولين والمحرومين والمشردين ينتشرون على الأرصفة يستجدون مساعدة لتأمين طعام أو دواء.
في الوقت الراهن مراكش مدينة تجمع الكثير من المتناقضات، فهي موطن لكل من الغنى والفقر والترف والحرمان. ففي الشارع، تجد أحدث أنواع وماركات السيارات الفارهة ولمجهزة بآخر مستجدات التكنولوجية ، وفي الوقت نفسه، تجد عشرات المتسولين والمحرومين البؤساء يتسكعون الشوارع ليلا ونهارا.
عموما المشهد الاجتماعي في مراكش يتسم بحرمان الأغلبية وبدخ الأقلية. هذه اللامساواة الصارخة ليست قدرا مقدورا، بل خيارا سياسيا واقتصاديا.
يستشف مما سبق أن هناك خللا كبيرا في الاختيارات والسياسات العمومية المعتمدة، أدت إلى نتائج معكوسة، نموا دون تنمية، مما أسفر عنه اتساع الفوارق الاجتماعية بشكل مهول. هذه الفوارق الاجتماعية الشاسعة سممت العلاقات الاجتماعية.
قصارى القول، إن فقر أهل مراكش ومحنتهم اليومية، يعزى إلى عدة عوامل من أهمها: سوء تدبير الشأن العام، وغياب عدالة توزيع الثروة، وشيوع الانتهازية والنصب والاحتيال، وغياب الاهتمام ببناء الإنسان وتطوير قدراته.
المطلوب القطع مع سياسات الامتيازات والاعفاءات وانتهاج سياسات اقتصادية/اجتماعية مغايرة لتجنيب المجتمع المغربي الانزلاق الأكبر وللحفاظ على ما تبقى من الطبقة الوسطى الضيقة التي تشكلت على مدى عقود مضت.