اخبار عاجلة
أفلمة «الليدي تشاترلي» للبريطاني د.هـ. لورنس: فلسفة الجسد و ثورته
تناولت السينما في سنوات مختلفة أبرز أعمال الكاتب البريطاني د.هـ.لورنس «أبناء وعشاق» «نساء عاشقات» «الثعلب» «الأفعى ذات الريش» مثلما قدمت رواية «عشيق الليدي تشاترلي» على غرار ما حصل مع روايات كثيرة من هذا النوع.
وفي اغلب تلك المحاولات لم تذهب المعالجة السينمائية أبعد من التركيز على ثيمة الاشتهاء الجنسي المتأجج لدى السيدة كونستانس زوجة السير بيك فورد تشاترلي العاجز والمعاق جراء إصابته في الحرب. الشيء الذي دفعها إلى مطارحة الغرام مع حارس الغابة. على المستوى النقدي تعد رواية «عشيق الليدي تشاترلي» أيقونة كلاسيكية لفلسفة الأدب الحسي، الذي أصبح في عقود لاحقة تيارا أدبيا ملهما ترك تأثيره الملحوظ على أعمال جيل من الكتاب والروائيين بينهم هنري ميللر، أناييس… ليس فقط لاتسام تلك الأعمال بالصراحة والجرأة غير المسبوقة في التعاطي مع موضوع الجنس أدبيا، وإنما لأنها قدمت كشفا جوانيا للإنسان.
الرواية لها تجربة مريرة مع الرقابة منذ صدورها عام 1928 التي طاردتها تهمة الإباحية لعقود كثيرة. فهذا العمل الفني السردي/ السينمائي هو أعمق بكثير من أن يتم استخدامه واجهة للنشر الأيروتيكي الاستهلاكي. فبعد نحو تسعة عقود على صدور طبعتها الأولى كتب المخرج البريطاني الشاب جاد مير كوريو نسخة مختصرة من هذه الرواية الفضائحية، وهي حافلة بالمقاطع الأيروتيكية وإخرجها إذاعيا لصالح «بي.بي.سي» قبل أن يقدم نسخة فيلمية من الرواية ذاتها عام 2015، ويسند أدوار البطولة فيها إلى هوليدي غارنغر وريتشارد مادن وجيمس نورتن. فالمغزى العميق الذي نحته لورنس في الرواية، والتصورات الفكرية والنفسية المصاحبة، والمسوغة لرغبة عشيقين في الانعتاق، انعتاق يستدعي ولادة وعي جديد من خلال توافق عاطفي نشأ بين سيدة ارستقراطية وعامل أجير، سيكون ثمار نزوة جنسية جارفة وعارمة.
يكتب أوليفر جون طومس (ميلرز حارس الغابة) لعشيقته «الحيازة سم والحرمان جوع وكلاهما موت». فلورنس ينعى نقاء الغابة الذي تلاشى نسيمها وتلوثت أشجارها الباسقة وياسمينها بفعل قدوم حضارة الفحم والحديد. فالكاتب يدرك بحسه الرؤيوي ارتباط الجنس بالموت. فإنكلترا المسكونة بنذر الحرب والخراب الروحي كانت ممثلة في روايته التي دقت ناقوس الخطر، وأعلنت مخاوفها من مستقبل بشري تكبله المصالح المادية الضارية وتضرب عرض الحائط أخلاقيات مجتمع محافظ على النمط الفيكتوري، كالمجتمع البريطاني، حيث ركزت على الجانب الإباحي كرد فعل على الأزمة الروحية في سياق ثقافة غربية ممكننة تحكم بلد الملكة فيكتوريا، بحرياته الفردية وتقديسه للفرد. وقد عدت رواية «عشيق الليدي تشاترلي» من زاوية أخرى أهم رواية مناهضة للحرب كتبت حتى الآن، وهي أسطورة عشيقين يقفان بشجاعة نادرة ضد العالم. تعد أفضل معالجة سينمائية لهذه الرواية هي نسخة المخرج جادمير كوريو، الذي استطاع بقدرته الفنية اختصار الرواية في سرد سينمائي يجاهد للحفاظ على المنحى الدرامي المؤسس لها بزمن عرض لا يتجاوز 90 دقيقة.